قيادية خبيرة.. كيف أعادت أمينة عبد الوهاب الروح إلى أهم حدائق الإسكندرية؟


كتب – حازم الوكيل:
في زمن يعجّ فيه الحديث عن التراجع والإهمال، هناك من تُفضل أن تتكلم بالأفعال. في قلب منطقة النزهة بالإسكندرية، تقف امرأة قيادية خبيرة بين أقفاص الحيوانات والطيور، لا تحمل كاميرا، بل دفتر ملاحظات وقلبًا نابضًا بالمسؤولية. إنها الدكتورة أمينة عبد الوهاب، المديرة الصارمة والحنونة في آنٍ معًا، التي قررت أن تعيد حديقة الحيوان بالإسكندرية إلى الواجهة، ليس فقط كمزار شعبي، بل كمساحة تستعيد بهجة الطفولة وحنين الأجيال.
العيد في الحديقة.. عودة الجماهير:
عيد الأضحى هذا العام لم يكن عاديًا في الحديقة. منذ اليوم الأول، تدفقت الأسر من كل أحياء المدينة والقرى المجاورة. البعض جاء ليُري أطفاله القردة لأول مرة، وآخرون حملوا طعامًا وبالونات وأغاني. لكن خلف هذا المشهد البهيج، كان هناك تنظيم لا يُرى بالعين المجرّدة: حالة طوارئ معلنة من مديرة لا تعرف النوم في أيام الأعياد.
تقول إحدى الزائرات: “بصراحة ماكنّاش متخيلين الحديقة تبقى بالنظافة دي والتنظيم ده.. كأننا في زمن تاني”.
أكثر من 53 ألف زائرًا في 4 أيام، وفق الأرقام الرسمية، دخلوا الحديقة دون حادث يُذكر، ولا شكوى ملحوظة. المياه متوفرة، دورات المياه نظيفة، أماكن الجلوس مظللة، وحتى الحيوانات – في عز الحر – كانت تُرشّ بالماء، وتُوزع لها مكعبات الثلج.
وراء الكواليس.. امرأة لا ترضى بالقليل:
الدكتورة أمينة ليست جديدة على المكان، لكنها اختارت أن تتعامل معه كأنه مشروعها الشخصي. قبل شهور، بدأت خطة تجديد شاملة بصمت: صيانة أقفاص مهجورة، طلاء الجدران، تركيب لافتات إرشادية جديدة، تدريب العاملين، ووضع جداول طوارئ للعيد.
لكن المفاجأة الأكبر كانت في إدارتها لأزمة التكدس. ففي ذروة الازدحام، رفضت أن تكون الحديقة مجرد مكان عبور. أمرت بفتح الممرات الجانبية، ونشرت فرقًا من موظفي الحديقة للتعامل المباشر مع الجمهور، بل إنها – بشهادة العاملين – ظلت طوال اليوم تتنقل بين البوابات والممرات بنفسها.
أحد العاملين يقول: “هي أول مديرة أشوفها تيجي قبلنا وتمشي بعدنا، الست دي حاطة قلبها في الشغل.”
الحيوانات أيضًا تستحق عيدًا:
لم يقتصر اهتمامها على البشر. في عيد الأضحى، خصصت إدارة الحديقة برئاسة أمينة جدولًا خاصًا لتغذية الحيوانات، مع توفير مكعبات ثلج ومراوح ومرشات مياه داخل المبايت، خصوصًا للأنواع شديدة الحساسية للحرارة. لم يكن العيد مزدحمًا فقط، بل كان ساخنًا أيضًا، واحتاجت كل حيوانات الحديقة إلى رعاية دقيقة.
حلم أكبر.. وحديقة تستعد للتحليق:
لا تسعى إدارة الحديقة إلى الاكتفاء بجذب الزوار خلال موسم الأعياد فقط، بل تطمح إلى تحويلها إلى وجهة ترفيهية وتعليمية دائمة على مدار العام. وفي هذا السياق، تعمل الدكتورة أمينة على التنسيق مع محافظة الإسكندرية ووزارة الزراعة لوضع خطة شاملة لتطوير البنية التحتية، ودمج الحديقة ضمن مشروع ترفيهي متكامل، يتضمن مرافق مخصصة لذوي الهمم، ومساحات تعليمية بيئية تستهدف توعية الأطفال بالحياة البرية وأهمية الحفاظ على التنوع الحيوي.
وترى المديرة أن استعادة دور الحديقة كمساحة حية في ذاكرة سكان المدينة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال توسيع أنشطتها لتستقبل المدارس والرحلات العائلية طيلة شهور السنة، وليس فقط في فترات الإجازات والمواسم.
عندما تُدار الحديقة بقلب امرأة:
ليست كل القصص بطولات خارقة. بعضها يبدأ بمكان يحتاج إلى عناية ومديرة تؤمن بالمسؤولية، حديقة الحيوان بالإسكندرية ليست حديثة ولا مبهرة بوسائل العرض العالمية، لكنها اليوم – بفضل الدكتورة أمينة عبدالوهاب – عادت إلى روحها الأولى: مكان يضحك فيه الأطفال، تستريح فيه الأمهات، وتتشمم فيه الأسود رائحة الثقة من جديد. ففي زمن تتراجع فيه مساحات البهجة، تقف امرأة واحدة لتقول: “الفرحة مش محتاجة ميزانية ضخمة.. محتاجة ضمير.”