بعد حكم “المؤبد”.. “ياسين” يخرج من المحكمة مرفوع الرأس ناجيًا لا ضحية


جهود أمنية كبيرة تُحاصر المتهم وتوقع به “بالضربة القاضية”
كتب – شوكت سعد:
في مشهد مهيب لم تغب عنه دموع الأهالي ولا صمت الغضب، أسدلت محكمة جنايات إيتاي البارود بمحافظة البحيرة، الستار اليوم على واحدة من أبشع جرائم الاعتداء الجنسي ضد الأطفال في مصر، بالحكم بالسجن المؤبد على المتهم صبري. ك. ج. ا، البالغ من العمر 79 عامًا، والذي كان يعمل مراقبًا ماليًا بمطرانية البحيرة، بعد إدانته بهتك عرض الطفل “ياسين. م. ع“، البالغ من العمر خمس سنوات، داخل مدرسة خاصة بمدينة دمنهور.
الحكم، الذي وصفه متابعون بأنه “انتصار حاسم للعدالة ولمعركة أسرة الطفل ضد التستر والتواطؤ“، جاء بعد سلسلة من الجلسات التي تابعتها وسائل الإعلام والرأي العام باهتمام بالغ.
تأمين محكمة.. ومشهد مؤثر للضحية:
منذ ساعات الصباح الأولى، احتشد العشرات من أهالي البحيرة أمام المحكمة، رافعين لافتات تطالب بـ“القصاص لياسين” و“عدم التساهل مع من يغتال البراءة“.
وفي مشهد مؤثر، وصل الطفل ياسين إلى المحكمة برفقة والدته، مرتديًا قناع “سبايدر مان“، وشنطة مدرسية، في محاولة واضحة لإخفاء ملامحه عن الحضور.
المتهم، الذي تم جلبه وسط حراسة أمنية مشددة، التزم الصمت خلال الجلسة، بينما تولى فريق من النيابة العامة شرح تفاصيل الواقعة، مستعرضًا التحقيقات الدقيقة وتقارير الطب الشرعي التي أثبتت واقعة الاعتداء، إضافة إلى شهادة الطفل المؤلمة، وتوافر أدلة على وقوع الجريمة أكثر من مرة داخل جراج المدرسة.
تفاصيل القضية والتحقيقات:
تعود تفاصيل الجريمة إلى يناير الماضي، حين لاحظت أسرة الطفل تغيرًا مفاجئًا في سلوكه، ورفضه دخول الحمام، ما دفعهم إلى استفساره عن السبب، ليكشف أنه تعرّض للانتهاك على يد “عم صبري” في المدرسة.
تقدّمت الأسرة ببلاغ عاجل، لتبدأ نيابة دمنهور، تحت إشراف المستشار محمد الحسيني، المحامي العام لنيابات وسط البحيرة، التحقيق في الواقعة، حيث ثبت تواطؤ إحدى العاملات في المدرسة، ووجود علم سابق لدى الإدارة بمحاولات تستر على ما حدث.
النيابة قررت إحالة المتهم إلى محكمة الجنايات بتهمة هتك عرض طفل لم يبلغ 18 عامًا بالقوة والتهديد، وفقًا لنصوص قانون العقوبات المصري.
دور أمني لافت في جمع الأدلة وتأمين المحاكمة:
منذ اللحظة الأولى، تحركت أجهزة مديرية أمن البحيرة بقيادة اللواء محمود هويدي مدير أمن البحيرة، بالتنسيق مع رئيس مباحث المديرية اللواء أحمد السكران، لضمان تحقيق العدالة ومتابعة التحقيقات والتحريات بجدية. وتم توفير حماية كاملة للضحية وأسرته، بالإضافة إلى تأمين المحكمة، خاصة مع الزخم الشعبي الكبير.
ردود فعل مشجعة من المجتمع والحقوقيين:
بعد النطق بالحكم، علت الزغاريد والبكاء في القاعة، واحتضنت والدة ياسين المحامين، مؤكدة أنها لم تكن تبحث عن أكثر من “إعادة كرامة ابنها“.
وصرّحت المحامية نجلاء عبد التواب، عضو هيئة الدفاع عن الأسرة، أن الحكم يعيد الثقة في منظومة العدالة، قائلة: “ما حدث مع ياسين جريمة مزدوجة، أولًا بحق طفل، وثانيًا بحق الثقة في مؤسسة تعليمية. اليوم استعدنا جزءًا من هذه الثقة“.
من جهته، اعتبر الناشط الحقوقي محمود صلاح أن الحكم مؤشر إيجابي، لكنه دعا الدولة إلى مراجعة آليات الرقابة على المدارس الخاصة، وفتح ملف الجرائم الصامتة داخل المؤسسات التعليمية.
رسائل الحكم: لا حماية لمغتصب مهما كان منصبه:
يُعتبر هذا الحكم بمثابة رسالة ردع قوية لكل من يتصور أن نفوذه أو موقعه قد يحميه من المساءلة، حيث واجه المتهم حكمًا رادعًا رغم عمره، ووظيفته السابقة، ومحاولات التلاعب بالشهادات داخل المدرسة.
وفي وقت تتزايد فيه الجرائم الموجهة ضد الأطفال، طالب نشطاء بأن تكون هناك إجراءات وقائية حقيقية تبدأ من كاميرات المراقبة، والتدقيق في العاملين بالمدارس، والتوعية بالأمان الجسدي للأطفال.
وخرج “ياسين” من المحكمة اليوم مرفوع الرأس، لا بصفته ضحية، بل ناجيًا صغيرًا انتصر بقوة القانون والمحامين وأسرته والمجتمع، لتبقى القضية علامة مضيئة على أن السكوت عن الجريمة لا يعني أبدًا النجاة منها.