قراءة قانونية للدور المصري في إنهاء الحرب على غزة


بقلم الباحث – أسامة شمس الدين
يمثل الاتفاق المزمع التوصل إليه بجهودٍ دوليةٍ وعربية ، وبرعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي والدبلوماسية المصرية ، لإنهاء الحرب في فلسطين – قطاع غزة، تحولًا جوهريًا في مفهوم الوساطة والدور الإقليمي ، إذ يُعيد لمصر موقعها التاريخي باعتبارها الضامن الشرعي والفاعل المركزي في معادلة الأمن والسلم الإقليميين .
ولا يقف هذا الاتفاق عند حدود التهدئة أو وقف إطلاق النار فحسب ، بل يرسّخ قواعد قانونية دولية كادت أن تندثر ، رغم وجودها وتوقيع الدول عليها في إطار اتفاقيات الدوليه وميثاق الأمم المتحدة ، والقانون الدولي الإنساني ، مما يجعله نموذجًا فريدًا لتكامل الشرعية القانونية والسياسية في إدارة الأزمات الدولية .
وجاءت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لنظيره الأمريكي دونالد ترمب لحضور مراسم توقيع الاتفاق في شرم الشيخ، تعبيرًا عن الرؤية المصرية ورغبةٍ مشتركةٍ في إنهاء الحرب ، وإشارة إلى أن الولايات المتحدة ستكون طرفًا ضامنًا ملزمًا لا مجرد راعٍ أو مراقب ، وهو ما يمنح الاتفاق طابعًا إلزاميًا ذا حجية قانونية دولية واضحة ، وفقا للنقاط التاليه :
أولًا : حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره
يؤكد التوصل إلى هذا الاتفاق على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، استنادًا إلى الفقرة الثانية من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أن :
“إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب ، وبأن يكون لكل منها الحق في تقرير مصيرها”.
ومن هذا المنطلق، فإن الاتفاق لا يُنشئ حقًّا جديدًا بقدر ما يُعيد تفعيل حقٍّ أصيلٍ طال إهداره، ويمنح تطبيقه ضمانة قانونية دولية من خلال توقيعه من قبل الأطراف الفاعلة وتسجيله لدى الأمم المتحدة .
ثانيا : احترام السيادة ومنع استخدام القوة.
ينص ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة الثالثة من المادة الثانية على أن :
“يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر.”
كما تنص الفقرة الرابعة من المادة ذاتها على أن :
” يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة ، أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة . . “
وعليه ، يُجسد الاتفاق الذي ترعاه مصر جوهر الالتزام القانوني الدولي ، إذ يقوم على تسوية النزاع بالوسائل السلمية المشروعةَ ، ويمنع استخدام القوة كوسيلة لفرض أمرٍ واقع أو إخضاع الشعب الفلسطيني لسيطرةٍ قسرية . .
وبذلك ، فإن الاتفاق يُعد تجسيدًا عمليًا لمبدأ سيادة القانون الدولي على إرادة القوة ، وينقل النزاع من منطق الحرب إلى منطق التسوية القانونية .
ثالثًا : الوساطة المصرية وفق المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة
تُلزم المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة أطراف أي نزاعٍ قد يهدد السلم والأمن الدوليين بأن يلتمسوا الحل بطريق المفاوضة أو الوساطة أو التوفيق أو التحكيم أو التسوية القضائية . .
وانطلاقًا من هذا الأساس ، فإن الوساطة المصرية تمثل ممارسة مشروعة ومؤسسية داخل المنظومة الأممية ذاتها ، حيث جمعت بين الطابع الدبلوماسي والسياسي من جهة ، والالتزام القانوني الدولي من جهة أخرى . .
ولذلك ، لم تكن مصر مجرد وسيطٍ محايد، بل طرفًا ميسّرًا ودافعًا للسلام ، يربط بين نصوص الميثاق وروحه ، بما يضمن أن التسوية لا تكون مجرد وقفٍ مؤقتٍ للأعمال القتالية ، بل اتفاقًا مُلزِمًا مؤسَّسًا على قواعد القانون الدولي العام . .
رابعًا : التسجيل الدولي للاتفاق وفق المادة (102) من الميثاق الأممي
تنص المادة (102) من ميثاق الأمم المتحدة على وجوب تسجيل كل معاهدة أو اتفاق دولي في أمانة الأمم المتحدة ونشره ، وإلا فلا يجوز لأي طرفٍ التمسك به أمام أجهزة المنظمة . .
ولا يُعد التسجيل مجرد إجراءٍ شكلي ، بل شرطًا جوهريًا للاحتجاج بالاتفاق أمام أجهزة الأمم المتحدة ، وهو ما يمنحه حجية قانونية دولية كاملة . .
ومن ثم ، فإن قيام مصر بتسجيل هذا الاتفاق رسميًا بعد توقيعه يمنحه صفة النفاذ الدولي الكامل ، ويُكسبه الشرعية القانونية المعترف بها عالميًا ، ويحول دون أي محاولة للتهرب من الالتزامات الناشئة عنه . .
ولهذا وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوةً إلى الرئيس ترمب لحضور مراسم التوقيع ، حتى يوقع بنفسه على الاتفاق، مما يمنحه صفة الإلزام الدولي عند إيداعه في الأمم المتحدة ، في ظل وجود مصر والولايات المتحدة كقوتين دوليتين فاعلتين في عملية السلام . .
وبمجرد التوقيع ، يترتب الآتي :
_ يكتسب الاتفاق صفة الإلزام لكافة الأطراف الموقعة عليه ، ويُصبح الإخلال به انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي . .
_ تُلزم إسرائيل بالامتناع عن أي أعمال عدوانية أو تدابير قسرية ضد الشعب الفلسطيني ، مع الاعتراف بأن فلسطين أرضٌ محتلة تخضع لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949. .
_ يتحول الاتفاق إلى صك قانوني دولي يحظر العدوان ويُرسّخ مبدأ المساءلة الدولية في حال الإخلال ببنوده . .
خامسًا : تكريس الشرعية الدولية للمقاومة
يتجاوز هذا الاتفاق بُعده السياسي إلى تجديد الاعتراف القانوني بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال ، وهو حق أقرّه القانون الدولي الإنساني وأكدته المواثيق الدولية . .
فالحق في الدفاع عن الأوطان وتقرير المصير ليس عملًا إرهابيًا ، بل ممارسة مشروعة لحقٍ أصيلٍ في مقاومة الاحتلال العسكري ، كما نصّت عليه اتفاقية جنيف الثالثة والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 ، اللذان اعترفا بالمقاتلين الذين يناضلون من أجل التحرر الوطني بوصفهم مقاتلين شرعيين . .
ويُعيد الاتفاق بهذا المعنى إحياء التمييز بين مفهوم الإرهاب ومفهوم المقاومة المشروعةَ ، مؤكدًا أن الدفاع عن الأرض ضد الاحتلال ليس جريمة ، بل حقٌ إنسانيٌ أصيلٌ ، وأن تحقيق السلم لا يكون بإنكار الحق ، وإنما بتكريسه عبر العدالة والاعتراف بالسيادة الوطنية . .
إن هذا الاتفاق ، حال توقيعه، لن يكون مجرد إنجازٍ سياسيٍ عآبر ، بل تجسيدًا لمبدأ الشرعية الدولية وسيادة القانون . .
فهو يُعيد رسم خريطة المنطقة على أسسٍ قانونيةٍ راسخة ، ويؤكد أن القيادة المصرية نجحت في ربط الفعل السياسي بالأساس القانوني الأممي ، لتعود مصر إلى موقعها الطبيعي كضامنٍ للنظام الدولي العادل ، وكصاحبة المبادرة في صياغة السلام . .
وبهذا، يُعلن الاتفاق عن ميلاد مرحلةٍ جديدةٍ يكون فيها القانون الدولي هو الإطار الحاكم للسلم، وتكون فيها مصر مركزًا لصياغة الاستقرار لا مجرد طرفٍ في معادلته . .



