سياسةمقالات

فلسطين وسيناريوهات ما بعد إيقاف الحرب


بقلم – الكاتب الباحث
أسامة شمس الدين
مع توقف العمليات العسكرية في قطاع غزة ، تبرز تساؤلات جوهرية حول مستقبل القضية الفلسطينية ومآلات المشهدين الداخلي والإقليمي . . فمرحلة ما بعد الحرب ليست نهاية للأزمة ، بل نقطة تحول فارقة قد تحدد شكل الواقع الفلسطيني لعقود مقبلة . . يمكن قراءة المشهد من خلال سيناريوهان رئيسيان تتفاوتان في احتمالاتها وتأثيراتهما وفقًا للداخل الفلسطيني وتفاعلاته الإقليمية . .

السيناريو الأول :
تكاتف القوى الفلسطينية وإعادة إعمار قطاع غزة

يقوم هذا السيناريو على فرضية توحد الصف الفلسطيني خلف هدف وطني جامع يتمثل في إعادة إعمار قطاع غزة واستعادة مقومات الحياة فيه بعد الدمار الهائل الذي خلفته الحرب . . ويستند هذا الاتجاه إلى دعم عربي وإسلامي واسع ، مصحوب بتعاطف دولي متزايد مع معاناة الشعب الفلسطيني . .

نجاح هذا السيناريو مرهون بقدرة الفصائل الفلسطينية على تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية ، واستثمار الزخم الدولي لتحويل التعاطف الإنساني إلى برامج دعم حقيقية لإعادة الإعمار والتنمية المستدامة . .

كما يتطلب هذا السيناريو انطلاق مسار مصالحة وطنية شاملة برعاية عربية ، تُعيد بناء البيت الفلسطيني على أسس من الشراكة والشرعية السياسية ، بالتوازي مع تحريك مسار سياسي جاد يهدف إلى إنهاء الاحتلال وإحياء مفاوضات السلام وفق قرارات الشرعية الدولية . .

إن تحقق هذا السيناريو يتوقف على إرادة سياسية صادقة من جميع الأطراف الفلسطينية ، وعلى حسن توظيف الدعم العربي والدولي بما يضمن حماية الحقوق الفلسطينية ومنع تكرار مأساة الحرب . .

السيناريو الثاني : الانقسام الداخلي وتنازع السلطة

يُعد هذا السيناريو الأسوأ من حيث النتائج ، إذ يفترض تفاقم الخلافات الداخلية حول من يملك القرار والسيطرة داخل القطاع ، وما يترتب على ذلك من استقطاب سياسي حاد . . كما قد تتعمق حالة الشك والاتهامات المتبادلة حول أسباب الحرب ودوافعها ومكاسبها وخسائرها ، لتتحول إلى دوامة انقسام جديدة تُضعف الجبهة الفلسطينية من الداخل . .

مثل هذا الوضع سيؤدي إلى إضعاف الموقف الفلسطيني في مواجهة التحديات الخارجية ، ويمنح القوى الإقليمية والدولية مبررًا للتدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني ، مما يعني إعادة إنتاج الأزمة بدلاً من حلها . .

ولمنع هذا السيناريو ، يمكن طرح مجموعة من التوصيات الأساسية :

1 – تعزيز الدور المصري والعربي في رعاية جهود المصالحة الوطنية ، باعتباره الضامن الرئيسي لوحدة الموقف الفلسطيني واستمرار دعم عملية إعادة الإعمار . .

2 – إعادة هيكلة مؤسسات السلطة الفلسطينية بما يضمن تمثيلًا عادلًا لجميع القوى السياسية ، وتوحيد القرار الوطني تحت مرجعية شرعية واحدة . .

3 – وضع آلية دولية شفافة لإعادة الإعمار تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه بعيدًا عن التجاذبات السياسية أو الفصائلية . .

4 – إطلاق مبادرة عربية لإحياء مسار السلام على أساس قرارات الأمم المتحدة وحل الدولتين ، مع ضمانات حقيقية لحقوق الشعب الفلسطيني . .

5 – تفعيل الدبلوماسية الشعبية والإعلامية الفلسطينية لتثبيت الرواية الفلسطينية عالميًا ومواجهة محاولات تزييف الحقائق حول الحرب وأسبابها . .

وخاتمةً لما سبق ، نقول إن مستقبل فلسطين بعد الحرب سيتوقف على مدى قدرة القوى الفلسطينية على تجاوز جراح الماضي وتوحيد رؤيتها تجاه المستقبل . . فبين التكاتف والانقسام ، والمصالحة والجمود ، ستُرسم ملامح المرحلة المقبلة . . ويبقى الأمل الأكبر في أن تنتصر الإرادة الوطنية على الانقسام ، وأن تتحول معاناة الحرب إلى دافع لبناء وطنٍ موحدٍ تسوده العدالة والسيادة والكرامة . .

عرض المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى